السبت، 21 مارس 2009

تكرار بليد للتاريخ

تستعاد الكتابة عن هتلر وموسوليني ونيرون وستالين، ليس لأنه لم يكتب عن هؤلاء ما يكفي. لقد كتب عنهم ما يكفي لقرون. لكن الناس تستعيد سيرهم كلما ارتعبت من ظهور هتلر آخر أو نيرون جديد. وقد تختلف الأمكنة والأزمنة، لكن العلامات واحدة: كائن بشري يخيل اليه انه كلف مهمة لا يقدر عليها سواه. وانه يملك طاقات فكرية لا يملكها أحد. والحقيقة انه يملك مقدرة واحدة هي ازدواجية الخداع: خداع النفس وخداع الآخرين. وهي لعبة لا تنتهي إلا بإبادة الفريقين. لم ينته هتلر منتحرا إلا بعدما نحر في ألمانيا آخر حجر ودفع الى الموت آخر شاب. ولم يشنق موسوليني في ايطاليا إلا بعد اغراقها في الذل والموت. ولم يمت ستالين إلا بعدما وضع الأسس لترميد الاتحاد السوفياتي. والذين يقولون ان ميخائيل غورباتشوف هو الذي أنهى الاتحاد السوفياتي هم الذين يقرأون تاريخ الشعوب بعين واحدة ويعتقدون انها مجرد مواش تُساق في أي اتجاه.
تتكرر التجربة الهتلرية بكل معالمها. فالرجل هو القائد. والاتباع لهم ثوب خاص. ولهم لون خاص. ولهم شعار خاص. ولهم علم خاص. إذ لا يمكن لهم ان يكونوا مثل سائر الناس او ان ينصهروا في ظل العلم الوطني. انهم مميزون. وهم ليسوا مميزين بأنفسهم وطاقاتهم وقدراتهم، بل بعبقرية الزعيم الملهم الذي يهتفون له في الساحات، ويذوبون في سبيله لا في سبيل وطنهم، لأن لا وطن من دونه أو على غير صورته.
دائما، دون أي استثناء في التاريخ، يقود جنون العظمة أو عمى البصيرة، الى كوارث وطنية لا حد لها. ودائما تفيق الناس بعد فوات الأوان بزمن طويل. ودائما يتحدث القائد الملهم وجماهيره وقمصانه وألوانه وشعاراته لغة واحدة: هو فوق الجميع. وهو هبة الله الوحيدة لقوم كانوا ينتظرون. وهو له مسحة ليست للبشر. واذا لا بد من مقارنة فهو لا يشبه والده وليس معما او مخولا كما اشتهى عنترة، وانما هو يشبه سلسلة طويلة من عظماء هذه الأرض. أو بالأحرى هو هم جميعا تقمصهم وتقمصوه ولم يبق للناس سوى ان تفعل ما تفعله: الانحناء.
كانت لدى غوبلز، وزير اعلام هتلر، قاعدة واحدة لا تتغير: اولا، اكذب دايما، لأن الجماهير لا تميز. ثانيا كذِّب دائما ما يقوله سواك. ثالثا حاول ألا تترك أحداً آخر يتكلم. رابعا ليس مهما متى تنتهي الأوطان الى الخراب وتنتهي انت الى الانتحار: في ملجأ فولاذي أو معلقا في شجرة على ساقيك.
الذين يقرأون التاريخ يرعبهم ما يرون حولهم. ويخيفهم اصراره الغبي على أن يكرر نفسه.
الكاتب: سمير عطا الله
من جريدة الشرق الأوسط

ليست هناك تعليقات: